
.. في مشهد مهيب يملؤه الحزن والأسى، ودعت مصر اليوم أحد أبرز رموز العدالة والقضاء، حيث توفي المستشار، رئيس الأسبق، عن عمر ناهز 72 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض. وأعلنت أسرته أن ستُقام اليوم من مسجد فاطمة الشربتلي بالقاهرة الجديدة، بحضور شخصيات قضائية وقانونية بارزة، وسط حالة من التأثر العميق في أوساط السلك القضائي والمجتمع القانوني.
سبب وفاة المستشار شعبان الشامي
جاء خبر كفاجعة للعديد من القضاة والمحامين والمواطنين الذين تابعوا أحكامه وتاريخه القضائي الحافل. ورغم ما تردد على بعض منصات بشأن وفاته نتيجة، فإن مصدرًا مقربًا من أسرته نفى هذه الأنباء مؤكدًا أن الوفاة جاءت نتيجة معاناة طويلة مع المرض، وهو ما أضعف حالته الصحية مؤخرًا، حتى رحل في هدوء.
ويُذكر أن المستشار الراحل كان قد تعرّض بالفعل منذ سنوات ماضية لحادث انقلاب بسيارته، نُقل على إثره إلى المستشفى، لكنه تعافى بعدها واستأنف عمله القضائي، حيث ظلّ يؤدي مهامه بكل صرامة ونزاهة حتى بلغ.
البدايات التعليمية والمسيرة القضائية
وُلد المستشار شعبان الشامي عام 1953، وتخرج من كلية الحقوق بجامعة عين شمس عام 1975 بتقدير جيد جدًا، وهو ما مهد له طريقًا ليلتحق بالنيابة العامة عام 1976، حيث بدأ أولى خطواته في عالم القضاء.
تميز المستشار الشامي منذ بداية مشواره بدقته في وتمسكه بتطبيق القانون دون مجاملة، وهو ما أهله لتولي العديد من المناصب المهمة في السلك القضائي. فقد بدأ العمل كرئيس نيابة، ثم قاضٍ في المحاكم الابتدائية عام 1981، وبعدها انتقل إلى محاكم عام 2002، ليشغل لاحقًا رئاسة الدائرة 15 جنايات شمال القاهرة، ويصبح أحد القضاة البارزين بمحكمة القاهرة.
قاضٍ تولى أخطر القضايا في تاريخ مصر
ارتبط اسم المستشار شعبان الشامي بعدد من أبرز القضايا الجنائية والسياسية التي عرفتها مصر في العقود الأخيرة، والتي حازت اهتمام محليًا ودوليًا، من أبرزها:
الكسب غير المشروع للرئيس الأسبق محمد: حيث أصدر حكمًا بإخلاء سبيله ورفض طعن النيابة، ثم تنحى لاحقًا عن نظر “لاستشعاره الحرج”.
قضية أحمد عرفة عضو حركة “حازمون”: في مايو 2013، أصدر حكمًا بسجنه 25 عامًا وتغريمه 20 ألف جنيه بعد إدانته بحيازة سلاح آلي.
قضية التخابر الشهيرة: في يونيو 2015، حكم بالإعدام على 16 متهمًا، بينهم 3 من قيادات، كما حكم على الرئيس الأسبق والمرشد العام محمد بديع و15 آخرين.
قضية اقتحام السجون: أصدر حكمًا بالإعدام على محمد مرسي و5 متهمين آخرين حضورياً، إلى جانب حكم غيابي بالإعدام على 94 آخرين، من بينهم يوسف القرضاوي ووزير الإعلام الأسبق صلاح عبد المقصود.
قضايا هامة في بداية المسيرة
حتى قبل انتقاله إلى محاكم الجنايات، كان للمستشار الراحل دورٌ بارز في التحقيق في قضايا حساسة، مثل:
قضية المسرة بشبرا
قضية في مركز سنورس بمحافظة الفيوم عام 1981
وقد أظهرت هذه الأولى في مشواره مدى كفاءته، ما دفع الجهات القضائية للاعتماد عليه في قضايا أكثر حساسية لاحقًا.
وداع قاضٍ تميز بالنزاهة والاستقلال
عرف المستشار شعبان الشامي خلال مسيرته القضائية الصارمة بالانضباط، النزاهة، والدقة الشديدة في دراسة ملفات القضايا التي عُرضت عليه. وكانت أحكامه محل احترام واسع سواء في الأوساط القضائية أو من قبل، حيث عُرف بعدم تأثره بالضغوط السياسية أو المجتمعية.
برحيله، فقدت مصر قاضيًا ترك بصمة واضحة في تاريخ القضاء، لا سيما في محطات حرجة ومفصلية، حيث لعب دورًا مهمًا في ترسيخ العدالة، وتحقيق الردع القانوني في قضايا كبرى أثارت جدلاً واسعًا.
إرث من الحزم والعدالة
رحيل المستشار شعبان الشامي يُعد خسارة كبيرة للسلك القضائي، فقد كان مثالًا للقاضي الذي يجمع بين الحزم والعقلانية، وبين تطبيق القانون وروح العدالة. وسيظل اسمه محفورًا في سجلات، باعتباره أحد أبرز من تصدوا لأخطر الملفات بقدر كبير من الجرأة والمسؤولية.
في ختام هذا المقال، نجد أن المستشار شعبان الشامي لم يكن مجرد قاضٍ، بل كان رمزًا للعدالة والمهنية، حيث ترك خلفه إرثًا يستحق التقدير والاحترام. ستظل ذكراه حاضرة في أذهان الكثيرين، وندعو الله أن يتغمده بواسع رحمته وأن يلهم أسرته ومحبيه الصبر والسلوان.
التعليقات