شاركت الدكتورة وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي في منتدى قادة السياسات المصري الأمريكي.

ممكن يعجبك: استعدادات الكهرباء لمواجهة انقطاع التيار خلال الصيف.. مصدر يؤكد عدم ارتباط الانقطاعات الحالية بتخفيف الأحمال
وفي كلمتها، أكدت المشاط أن المنتدى اليوم يناقش الفرص النوعية المتاحة أمام المستثمرين في مختلف القطاعات الاقتصادية الحيوية بمصر، مشيرة إلى كتيب “فرص الاستثمار” الذي تم إعداده بالتعاون مع غرفة التجارة الأمريكية، والذي يمثل خريطة استثمارية شاملة توضح أبرز الفرص المتاحة للمستثمرين المحليين والأجانب، وتستعرض الإصلاحات والسياسات المتخذة لتسهيل دخول استثمارات جديدة تُسهم في دفع عجلة الاقتصاد المصري للأمام.
وأكدت المشاط حرص الحكومة على المشاركة الفعالة في الحوار المباشر مع الشركاء المحليين والدوليين، مشيرة إلى أن الدولة المصرية تضع ملف الاستثمار وتحفيز القطاع الخاص في مقدمة أولوياتها الوطنية.
نتبع نهجًا يُمكّن القطاع الخاص من قيادة النمو والتنمية الاقتصادية
واستعرضت المشاط الإطار العام للسياسات الاقتصادية الحالية في مصر، والإصلاحات المتكاملة على مستوى السياسات المالية والنقدية والتجارية والصناعية والاستثمارية، مشيرة إلى أهمية التنسيق بين مختلف الوزارات لتحقيق تكامل حقيقي بين السياسات العامة بما يخدم توجهات الدولة نحو بناء اقتصاد قوي، ومنتج، وقادر على التصدير، ومُولّد لفرص عمل مستدامة.
وأوضحت أن هذا الإطار يرتكز على ثلاثة محاور رئيسية، هي: تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي من خلال ضبط السياسة النقدية والمالية، وضمان استقرار سعر الصرف وكبح التضخم، وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري من خلال تطوير البنية التحتية وتحديث التشريعات، بالإضافة إلى إطلاق الطاقات الكامنة للقطاع الخاص باعتباره المحرك الأساسي للنمو الحقيقي على المدى الطويل، والدعامة الأهم لخلق فرص العمل وزيادة الإنتاجية، عبر تحسين بيئة الأعمال وتسهيل الإجراءات وإزالة العقبات البيروقراطية وزيادة الشفافية وتحسين الحوكمة الاقتصادية
اقرأ كمان: الخطيب يشجع الشركات الإماراتية على زيادة استثماراتها في مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي
تعافي مستمر للصناعات التحويلية غير البترولية بدعم الإصلاح الاقتصادي
وأشارت إلى الخصائص التي تُميز الاقتصاد المصري، مثل تنوعه الكبير وقاعدته الإنتاجية العريضة، حيث يعتمد على العديد من القطاعات النشطة التي تُسهم في الناتج المحلي الإجمالي وتوفر فرص عمل ضخمة، مثل قطاع الصناعة التحويلية، خاصة الصناعات غير البترولية، التي سجلت مؤخرًا معدلات نمو قياسية بلغت نحو 18%، وهو نمو مستدام تحقق على مدى ثلاثة أرباع متتالية، بالإضافة إلى قطاع السياحة الذي شهد انتعاشة قوية مع قرب افتتاح المتحف المصري الكبير في يوليو المقبل، وقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الذي ينمو بوتيرة ثابتة ويحقق معدلات نمو تصل إلى 10%، ويعد من أكثر القطاعات جذبًا للشباب والمستثمرين، وقطاع النقل واللوجستيات، وهو قطاع استراتيجي يعكس التطورات الجارية في الموانئ والبنية التحتية، وسجل نموًا قريبًا من 10%.
نتجه نحو نموذج نمو اقتصادي يقوم على الصناعة والتصدير
هذا بالإضافة إلى قوة العمل الشابة والماهرة وذات التكلفة التنافسية في مصر، حيث تسعى الحكومة للاستفادة القصوى منها عبر برامج التدريب وبناء المهارات.
وتحدثت الوزيرة عن تطورات الاقتصاد الكلي ومؤشرات الأداء، مشيرة إلى الإجراءات الجريئة التي تم اتخاذها في مارس الماضي، حيث شهد الاقتصاد المصري بعد ذلك تحولات كبيرة، أهمها تحقيق استقرار كبير في سوق الصرف، واختفاء السوق السوداء للعملة، وتبني سياسة مالية انضباطية صارمة تهدف إلى تقليص العجز وتحقيق فائض أولي، وحوكمة أكثر كفاءة في إدارة الاستثمارات العامة، بما يضمن الكفاءة والتوجيه الصحيح للموارد، فضلاً عن تحقيق شفافية أعلى في الشركات المملوكة للدولة، في إطار جهود الدولة لفصل الملكية عن الإدارة وتحسين الحوكمة.
مستمرون في الإصلاح الهيكلي لضمان استدامة استقرار الاقتصاد الكلي
وتابعت المشاط أن الاستثمارات الخاصة شهدت تعافيًا ملحوظًا، إذ تجاوزت مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي مساهمة الاستثمارات العامة لأول مرة منذ سنوات، مما يؤكد نجاح جهود فتح المجال أمام القطاع الخاص، كما ارتفعت تحويلات المصريين من الخارج لتعود إلى مستوياتها السابقة، فيما تسجل السياحة هذا العام أعلى معدل في عدد الزوار والإيرادات منذ سنوات، مؤكدة أنه على الرغم من التحديات الإقليمية، وانخفاض إيرادات قناة السويس نتيجة الظروف الجيوسياسية، فإن النمو والصادرات المصرية – سواء السلع تامة الصنع أو نصف المصنعة أو المواد الخام – تواصل الارتفاع، ما يعكس تحسن هيكل الاقتصاد وتنوعه.
وفيما يتعلق بالتحول نحو اقتصاد منتج وقائم على التصدير، قالت المشاط إن مصر تنتقل تدريجيًا من نموذج اقتصادي يعتمد على القطاعات غير القابلة للتصدير إلى نموذج يقوم على الإنتاج والصناعة والتصدير، لأن هذا هو الطريق لخلق فرص عمل مستدامة، وتحقيق نمو حقيقي ومرتفع الإنتاجية، لذا هناك تركيز كبير على جعل مصر مركزًا إقليميًا للطاقة الخضراء عبر مشروعات طموحة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر، ومحورًا إقليميًا للأمن الغذائي عبر دعم سلاسل القيمة المضافة في الزراعة والصناعات الغذائية، وكذلك مركزًا للتجارة واللوجستيات من خلال تطوير الموانئ وربطها بمحاور التنمية والمناطق الصناعية.
نفذنا إجراءات صارمة لحوكمة الاستثمارات العامة وإفساح المجال للقطاع الخاص
كما لفتت الوزيرة إلى كيفية بناء اقتصاد أكثر استدامة، مشيرةً إلى أن استقرار الاقتصاد الكلي هو الأساس، لكنه ليس كافيًا وحده، لذا تعمل الحكومة على تنفيذ برنامج إصلاحات هيكلية طموح يقوم على ثلاث ركائز أساسية، هي تعزيز مرونة الاقتصاد الكلي لضمان استدامة الاستقرار المالي والنقدي، وتحفيز التنافسية وتعزيز دور القطاع الخاص من خلال تحسين التشريعات وتبسيط الإجراءات وتشجيع ريادة الأعمال، ودعم التحول الأخضر والانتقال نحو اقتصاد منخفض الكربون ومستدام، بما يتماشى مع التزامات مصر البيئية وأهداف التنمية المستدامة.
مصر منصة للتعاون متعدد الأطراف بين المؤسسات الدولية وشركاء التنمية
وأكدت أن التحول الأخضر ليس فقط قضية بيئية، بل هو فرصة حقيقية للاستثمار والتوظيف والتصدير، وكل تلك الفرص تهدف إلى دعم التنمية الاقتصادية، وبالتالي خلق مساحة مالية أوسع للدولة، فنحن ننتقل من دائرة اقتصادية سلبية تعتمد على سعر صرف ثابت، وسياسة نقدية مستقلة، وتدفقات رأس مال غير مستقرة، إلى دائرة إيجابية تعتمد على الاستقرار الاقتصادي الكلي والإصلاحات الهيكلية والتنمية.
كما أكدت المشاط أهمية التمويل من أجل التنمية، مشيرة إلى أن مصر أصبحت منصة مهمة للتعاون مع المؤسسات الدولية، حيث لا تقتصر هذه المؤسسات على تمويل الحكومة فقط، بل تقدم التمويل أيضًا للقطاع الخاص باستخدام أدوات وآليات تمويل متعددة، موضحة أنه خلال السنوات الخمس الماضية، حصل القطاع الخاص في مصر على أكثر من 15 مليار دولار من التمويل الميسر، وهو ما يُعد عاملاً مهمًا جدًا لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وأشارت إلى منصة “نوفي”، موضحة أن مواجهة التحديات المناخية يمكن أن تكون في ذات الوقت فرصة لتحقيق التنمية، حيث اعتمدت مصر على ذلك النهج في تطوير منصتها الوطنية لبرنامج “نُوَفِّي” لربط التمويل المناخي بمشروعات التنمية ذات الأولوية في قطاعات الطاقة والغذاء والمياه، مما ساهم في جذب استثمارات دولية للقطاع الخاص بنحو 4 مليارات دولار خلال عامين، لتوليد 4 جيجاوات من الطاقة المتجددة، وهذه التمويلات لم تذهب فقط لشركات مصرية، بل شملت شركات دولية أيضًا، بتمويل من مؤسسات دولية وبنوك تجارية، إضافة إلى مكونات منح تم إضافتها لتقليل أعباء التمويل، موضحة أن هذا يعد فرصة للشركات الأمريكية الراغبة في دخول السوق المصري، خصوصًا في مجالات الطاقة النظيفة والبنية التحتية المستدامة.
كما أشارت إلى المشروعات المرتبطة بتخزين الطاقة الكهربائية للمساعدة في الوصول إلى هدفنا الوطني بتحقيق 42% من الطاقة من مصادر متجددة بحلول عام 2030، موضحة أن من بين الركائز الأساسية الأخرى للتنمية في مصر هي التجارة واللوجستيات، حيث تعمل مصر حاليًا لتكون مركزًا إقليميًا للتجارة، مشيرة إلى تطوير العديد من الموانئ البحرية والجافة من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص، وتم تمويلها عبر مصادر دولية، وكذلك تطوير الأنظمة الرقمية لتسهيل التجارة، مما ساهم في تحسين ترتيب مصر في مؤشر الأداء اللوجستي الصادر عن البنك الدولي، حيث قفزنا إلى المرتبة 54 في عام 2023.
وقالت المشاط إن مصر بصدد إطلاق السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية خلال يونيو المقبل، والتي تتضمن رؤى رئيسية تشمل: الاستقرار الاقتصادي الكلي، تدفقات الاستثمار الأجنبي، أداء الصناعة والتجارة، وجاهزية القوى العاملة، مؤكدة أن هدف مصر يرتكز في تحقيق نمو حقيقي، وتوفير فرص عمل، وتعزيز صلابة الاقتصاد في مواجهة الأزمات العالمية والإقليمية
وفي إجابتها عن تساؤل حول كيفية موازنة مصر بين التخطيط للتنمية طويلة المدى والحاجة إلى المرونة في اقتصاد عالمي سريع التغير، أوضحت الدكتورة رانيا المشاط أن مصر تعمل كغيرها من الدول في وقت تتداخل فيه الأزمات، من تغيّر المناخ والتحولات الجيوسياسية إلى التسارع التكنولوجي، وكلها تتطلب توازناً دقيقاً بين الالتزام بأهداف التنمية طويلة الأمد والقدرة على التفاعل السريع مع التحديات العالمية الناشئة.
وأشارت المشاط إلى سعي مصر لتحقيق هذا التوازن من خلال تحول مؤسسي نحو التخطيط المتكامل القائم على السياسات، لافتة إلى أن قانون التخطيط العام، الذي يرسخ للخطة الاقتصادية متوسطة المدى، أصبح الآن مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بقانون المالية العامة الموحد، مما يضمن اتساق الخطط والميزانية والسياسة المالية، مؤكدة أن هذا التكامل يمكّننا من تعديل الأهداف بشكل مسؤول استجابة للتحديات المتغيرة المختلفة.