لماذا تواجه مطالب حماس رفضاً من إسرائيل في خطة ويتكوف ومقترح بحبح في غزة؟

وسط الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي المستمر، تبرز مفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار كمرحلة حاسمة تعكس تعقيدات التوازنات السياسية في المنطقة.

لماذا تواجه مطالب حماس رفضاً من إسرائيل في خطة ويتكوف ومقترح بحبح في غزة؟
لماذا تواجه مطالب حماس رفضاً من إسرائيل في خطة ويتكوف ومقترح بحبح في غزة؟

مقترح ويتكوف ومفاوضات تبادل الأسرى

مؤخراً، قدمت حركة حماس، من خلال وساطة رجل الأعمال الأمريكي-الفلسطيني بشارة بحبح، مقترحًا جديدًا لصفقة تبادل أسرى.

لكن إسرائيل رفضت سريعًا هذا المقترح الذي يتضمن إطلاق سراح 10 أسرى إسرائيليين على مرحلتين، مع هدنة تمتد لـ 70 يومًا.

كما يتضمن انسحاب الجيش الإسرائيلي من معظم الأراضي المحتلة في قطاع غزة، وفتح القطاع للمساعدات الإنسانية دون قيود.

وعلى هامش الاقتراح، كان هناك مطلب رمزي من حماس يتمثل في مصافحة بين خليل الحية، مسؤول الحركة، وستيف ويتكوف، المبعوث الأمريكي، لكن إسرائيل وصفت المقترح بـ”غير المعقول”، مما يكشف عن عمق الخلافات بين الأطراف، ويسلط الضوء على التحديات التي تواجه تحقيق تسوية عادلة.

يأتي هذا الاقتراح في سياق تاريخي معقد يمتد لعقود من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث شكل الحصار المفروض على قطاع غزة منذ عام 2007 نقطة تحول في الأوضاع الإنسانية والسياسية
بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية، فرضت إسرائيل، بدعم أمريكي وغربي، حصارًا مشددًا أدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

وتسببت سياسات حماس في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وتفاقم الأزمة الإنسانية نتيجة القيود الإسرائيلية على دخول المساعدات والمواد الأساسية، وزادت الضغوط نتيجة تداعيات الحصار، إلى جانب جولات التصعيد العسكري المتكررة في أعوام 2008، 2012، 2014، 2021، 2023، واستئناف القتال في مارس 2025.

وتبدو قضية الأسرى كمحور مركزي، حيث وظفتها حماس في صفقة “وفاء الأحرار” عام 2011، عبر إطلاق سراح 1027 أسيرًا فلسطينيًا مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.

من هنا، عززت الصفقة مكانتها كقوة تفاوضية قادرة على فرض شروطها، بينما يتضمن مقترح بشارة بحبح، الذي نُقل إلى إسرائيل عبر الولايات المتحدة، رؤية فلسطينية طموحة.

تهدف هذه الرؤية إلى تحقيق مكاسب استراتيجية، بينما يسعى المقترح لإطلاق سراح خمسة أسرى إسرائيليين أحياء في اليوم الأول، دون الإفراج عن جثث الأسرى.

ويتزامن ذلك مع إطلاق سراح 5 أسرى إضافيين بعد شهرين، بشرط إجراء مناقشات حول جثث الأسرى خلال هذه الفترة تحت إشراف أمريكي.

يعكس هذا النهج التدريجي استراتيجية حماس للحفاظ على السيطرة على وتيرة المفاوضات، مع ضمان استمرار الحوار، كما يشمل المقترح هدنة تمتد لـ 70 يومًا، مع إمكانية التمديد، لتوفير بيئة هادئة لمناقشة المراحل التالية، وهو ما يتجاوز “مخطط ويتكوف”.

واقترح الوسيط الأمريكي هدنة أقصر تتراوح بين 45 و60 يومًا، أحد الشروط الأساسية في المقترح هو انسحاب الجيش الإسرائيلي إلى خطوط ما قبل استئناف القتال في مارس 2025، ويعني هذا التخلي عن السيطرة على 77% من قطاع غزة، وفقًا لحماس، وهذا الانسحاب يهدف إلى إلغاء ما تصفه إسرائيل بإنجازات عسكرية.

تتمثل الإنجازات الإسرائيلية في السيطرة على محور موراج، واستعادة السيادة الفلسطينية على القطاع، ويطالب المقترح بفتح قطاع غزة بالكامل لدخول المساعدات الإنسانية.

المطالب تشمل الغذاء والدواء ومواد البناء، لتخفيف الأزمة الإنسانية الحادة التي يعاني منها سكان القطاع، لكن هذا الشرط يتعارض مع الخطة الإسرائيلية.

تقترح الخطة الإسرائيلية توزيع المساعدات عبر “صندوق المساعدات لغزة” (مؤسسة غزة الإنسانية)، بهدف إضعاف سيطرة حماس.

وللمقارنة، يختلف مقترح بحبح عن “مخطط ويتكوف” الذي تلتزم به إسرائيل في عدة جوانب، بينما يقترح ويتكوف إطلاق سراح 11 أسيرًا حيًا و19 جثة في اليوم الأول في إحدى نسخه.

وهناك سيناريو آخر يشمل 10 أسرى أحياء و16 جثة في نسخة محدثة، بينما يركز مقترح بحبح على إطلاق سراح خمسة أسرى أحياء فقط في البداية، مع تأجيل مناقشة الجثث لاحقًا، كما أن مدة الهدنة في مقترح ويتكوف أقصر، حيث تتراوح بين 45 و60 يومًا، بينما يطالب بحبح بهدنة لمدة 70 يومًا.

من ناحية الانسحاب، لا يتضمن مخطط ويتكوف انسحابًا شاملًا، بل يركز على ترتيبات أمنية محدودة، بينما يشترط مقترح بحبح انسحابًا كاملًا، أما بالنسبة للمساعدات الإنسانية، فإن ويتكوف يعتمد على قنوات إسرائيلية لتوزيعها، بينما يطالب بحبح بفتح القطاع بالكامل دون قيود.

هذه الفروق تبرز الطابع الاستراتيجي لمقترح حماس، الذي يسعى إلى تحقيق مكاسب طويلة الأمد تتجاوز الإطار التكتيكي الضيق.

الرفض الإسرائيلي السريع للمقترح يكشف عن دوافع سياسية وعسكرية، ووصف مسؤول إسرائيلي كبير المقترح بأنه استسلام لحماس، مشيرًا إلى أنه يتيح للحركة البقاء كقوة سياسية وعسكرية، ويُلغي ما تعتبره إسرائيل إنجازات عسكرية، مثل السيطرة على محور موراج.

تتمسك إسرائيل بأهداف حربها المعلنة، وهي القضاء على حماس وتفكيك قدراتها العسكرية، وترى أي تنازل عن هذه الأهداف كضعف استراتيجي يهدد صورتها كقوة إقليمية، كما أن القلق الإسرائيلي من أن الولايات المتحدة قد تقبل المقترح أو تحاول فرضه يعكس توترًا في العلاقة مع إدارة الرئيس دونالد ترامب.

تصريحات ترامب، التي ألمحت إلى “أخبار جيدة” بشأن غزة، أثارت مخاوف إسرائيل من ضغوط أمريكية محتملة لتقديم تنازلات، خاصة أن إدارة ترامب نقلت المقترح دون تنسيق مسبق مع نتنياهو.

وأثار مطلب المصافحة بين الحية وويتكوف استياءً كبيرًا في إسرائيل، التي ترى فيه محاولة لتشريع حماس كقوة سياسية، ويتعارض مع سياستها لعزل الحركة وتصنيفها كـ”منظمة إرهابية”.

وعلى المستوى الداخلي، تواجه الحكومة الإسرائيلية ضغوطًا متزايدة من عائلات الأسرى، الذين يبلغ عددهم 58 بحسب المصادر.

تعارض العائلات الرفض الإسرائيلي وتطالب باتفاق شامل يعيد جميع الأسرى وينهي الحرب، معتبرين الصفقات الجزئية “خسارة إسرائيلية” يمكن تجنبها، أما الدور الأمريكي في هذه المفاوضات يكشف عن ازدواجية معايير واضحة، رغم أن واشنطن تتوسط عبر مبعوثها ويتكوف، لكن لم تُظهر استعدادًا حقيقيًا للضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات جوهرية.

تصريحات ترامب الغامضة حول وقف الوضع في غزة تفتقر إلى التزام واضح بحل عادل يراعي الحقوق الفلسطينية، مما يعكس استمرار التحيز الأمريكي لصالح إسرائيل.

كما أن نقل المقترح عبر واشنطن دون تنسيق مسبق مع إسرائيل قد يكون محاولة للحفاظ على صورة الوسيط المحايد، وسط غياب رؤية شاملة لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع، مثل الحصار والاحتلال، بالإضافة إلى أن الموافقة الأمريكية على هدنة لمدة 70 يومًا، بعد اقتراح أولي لستين يومًا، تشير إلى مرونة محدودة، لكنها لا ترقى إلى مستوى الضغط اللازم لإنهاء الحصار أو دعم الحقوق الفلسطينية.

المطلب الرمزي بالمصافحة بين الحية وويتكوف يضع الولايات المتحدة في موقف محرج، حيث إن أي قبول لهذا المطلب قد يُفسر كاعتراف ضمني بشرعية حماس.

يتعارض هذا مع السياسة الأمريكية التي تصنف الحركة كـ”منظمة إرهابية”، وهذا التوتر يكشف عن محدودية الدور الأمريكي كوسيط فعال.

وتبدو واشنطن أكثر اهتمامًا بالحفاظ على التوازنات السياسية مع إسرائيل بدلًا من دفع عملية سلام عادلة للقضية الفلسطينية.

يمثل مقترح بحبح خطوة جريئة لاستعادة المبادرة في المفاوضات وتأمين مكاسب وطنية تدعم صمود الشعب الفلسطيني، وتعكس المطالبة بالانسحاب الإسرائيلي وفتح القطاع للمساعدات، تركيزًا واضحًا على تخفيف المعاناة الإنسانية التي يعاني منها سكان غزة منذ فرض الحصار عام 2007.

تتماشى هذه الشروط مع مطالب الشعب الفلسطيني، الذي يواجه أزمة إنسانية غير مسبوقة، مع تدمير البنية التحتية ونقص الاحتياجات الأساسية، وفتح القطاع للمساعدات يهدف إلى إعادة بناء ما دمرته الحروب الإسرائيلية المتكررة، وتوفير الغذاء والدواء ومواد البناء للسكان، مما يعزز قدرة غزة على الصمود في مواجهة الاحتلال.

المطلب الرمزي بالمصافحة مع ويتكوف يعكس وعيًا سياسيًا بأهمية كسر العزلة المفروضة على حماس، وفرضها كشريك لا غنى عنه في أي تسوية مستقبلية، ونجاح هذا المطلب قد يفتح الباب أمام تغيير في النظرة الدولية تجاه الحركة، خاصة مع تزايد الدعم العربي والدولي للقضية الفلسطينية.

ورغم وصف المقترح بأنه “غير معقول” من قبل إسرائيل، فإن حماس أبدت مرونة في المفاوضات السابقة، من واقع بياناتها الرسمية، دليلاً على التفاوض بشرط ضمانات ملزمة لإسرائيل، كما أن النهج التدريجي في إطلاق سراح الأسرى يعكس استراتيجية ذكية للحفاظ على السيطرة على المفاوضات، مع ضمان تحقيق مكاسب ملموسة في كل مرحلة
يدعم 80 دولة موقف حماس في مواجهة الأزمة الإنسانية في غزة، مما يعزز الشرعية الدولية لمطالب الحركة، خاصة مع دعم دول عربية مثل مصر وقطر، مما يمنح حماس نفوذًا إضافيًا في المفاوضات.

توقعات مرتقبة

يمكن توقع سيناريوهات عدة بناءً على التطورات الحالية، فقد يتصاعد الضغط الشعبي داخل إسرائيل، حيث تعارض عائلات الأسرى، الذين يبلغ عددهم 58، الرفض الإسرائيلي للمقترح.

تطالب العائلات باتفاق شامل يعيد جميع الأسرى وينهي الحرب، وهذا الضغط قد يضعف موقف الحكومة الإسرائيلية المتشدد، نتيجة تصاعد الاحتجاجات الداخلية المعارضة لاستمرار الحرب.

البيانات الرسمية الصادرة عن هيئة تمثل عائلات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين وصفت الصفقات الجزئية بـ”خسارة إسرائيلية”، ما يشير إلى انقسام داخلي قد يدفع الحكومة لإعادة تقييم موقفها
كما قد تشهد إدارة ترامب تغييرًا في موقفها، حيث تسعى لتحقيق “إنجاز دبلوماسي” في المنطقة، وتصريحات ترامب حول أخبار جيدة تشير إلى رغبة في تحقيق تقدم.

قد يفتح هذا الباب لضغوط أمريكية على إسرائيل لتقديم تنازلات، لكن قبول الولايات المتحدة لهدنة لمدة 70 يومًا يعكس مرونة محدودة، غير أن الضغط الدولي المتزايد قد يدفع واشنطن لتبني موقف أكثر عدالة، كما يعزز دعم 80 دولة، إلى جانب الموقف العربي الداعم من مصر وقطر، الشرعية الدولية لمطالب حماس.

هذا الدعم قد يدفع نحو اتفاق يراعي الحقوق الفلسطينية، خاصة إذا استمرت الأزمة الإنسانية في غزة في جذب الانتباه الدولي، والمجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، قد يزيد من ضغوطه على إسرائيل لرفع الحصار وفتح القطاع للمساعدات.

في حال فشل المفاوضات، قد تلجأ إسرائيل إلى تصعيد عسكري جديد لفرض شروطها، لكن هذا السيناريو قد يؤدي إلى تعزيز المقاومة الفلسطينية، وزيادة الدعم الدولي للقضية الفلسطينية.

يمثل مقترح بشارة بحبح خطوة فلسطينية جريئة لاستعادة المبادرة في المفاوضات وتأمين مكاسب وطنية تدعم صمود الشعب الفلسطيني.

المطالب، التي تشمل انسحابًا إسرائيليًا، وفتح القطاع للمساعدات، وتشريعًا ضمنيًا لحماس، تعكس رؤية استراتيجية تهدف إلى إنهاء الحصار واستعادة السيادة، كما أن الرفض الإسرائيلي، بدعم أمريكي ضمني، يكشف عن استمرار سياسة القوة التي تهدف إلى إخضاع غزة وتهميش حماس، على حساب معاناة الشعب الفلسطيني وحتى الأسرى الإسرائيليين.

في المستقبل، يمكن للضغط الداخلي في إسرائيل، إلى جانب الدعم العربي والدولي المتزايد للقضية الفلسطينية، أن يفتح الباب أمام تسوية عادلة.

هذا يتطلب من المجتمع الدولي، بقيادة دول عربية وإسلامية، الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة للالتزام بحل يراعي حقوق الشعب الفلسطيني، ويضع حدًا للاحتلال والحصار.

ويبقى أن انتصار القضية الفلسطينية في هذه المرحلة يعتمد على صمود غزة، ووحدة الموقف الفلسطيني، والدعم الدولي المتزايد.