تكنولوجيا

كيف ستدير “تسلا” عن بعد سياراتها الذكية؟ وما حدود هذه التقنية؟

تستعد “تسلا” لإطلاق خدمتها المنتظرة للسيارات الذاتية القيادة، المعروفة بـ”الروبوتاكسي”، في مدينة أوستن بولاية تكساس، حيث ستقوم بنشر حوالي 10 سيارات من طراز Model Y، لكن ضمن نطاق جغرافي محدود للغاية، مع وجود رقابة بشرية مشددة لضمان السلامة.

وقد أكد الرئيس التنفيذي للشركة، إيلون ماسك، في تصريحات سابقة أن “تسلا” تتعامل مع هذا المشروع بحذر شديد، حيث سيتولى أفراد من البشر مراقبة الأسطول عن بُعد للتدخل عند الحاجة، مما يعكس التزام الشركة بالسلامة العامة.

التقنية المستخدمة تعرف في قطاع المركبات ذاتية القيادة باسم “Teleoperation”، وهي تقنية معروفة تستخدمها عدة شركات ناشئة في مجال الروبوتاكسي حول العالم، حيث تتيح للبشر الإشراف أو التدخل عند الضرورة عبر شبكة لاسلكية، مما يساهم في تحسين أداء السيارات.

تهدف هذه التقنية إلى تدريب السيارات على اتخاذ قرارات ذاتية، ومراقبة أدائها الفعلي، ثم التدخل البشري عند حدوث مواقف غير مألوفة أو صعبة التفسير للذكاء الاصطناعي، مما يعزز من أمان الرحلات.

وفي هذا السياق، تعتمد شركات مثل “وايمو” التابعة لألفابت على فريق من العاملين المعروفين بـ”مستجيبي الأسطول”، الذين يتدخلون عندما يطلب نظام القيادة الآلي لديهم مساعدة بشرية، مما يخلق نوعًا من التعاون بين البشر والتكنولوجيا في مواقف حرجة.

وقد أوضح الرئيس التنفيذي السابق لـ”وايمو”، جون كرافشيك، أن السيارات لا تُراقب بشكل مستمر، وأن القرار النهائي يبقى دائمًا للبرمجيات، مما يسلط الضوء على دور التكنولوجيا في هذا المجال.

على الجانب الآخر، شركات مثل “أبولو جو” التابعة لشركة بايدو الصينية تستخدم نموذجًا مختلفًا يعتمد على سائقين احتياطيين متصلين عن بُعد يمكنهم قيادة المركبة فعليًا إذا لزم الأمر، لكن بايدو لم تعلق على ذلك علنًا، مما يثير تساؤلات حول استراتيجيات الشركات المختلفة.

رغم ذلك، تواجه هذه التقنية تحديات جوهرية، أبرزها الاعتماد على شبكات الاتصال الخلوي، التي قد تعاني من تقطّع أو تأخير زمني، وهو أمر قد يتحول إلى خطر كبير إذا حدث في لحظة حاسمة أثناء قيادة المركبة، مما يتطلب تطوير شبكات أكثر موثوقية.

ووصف فيليب كوبمان، أستاذ الهندسة بجامعة كارنيجي ميلون وخبير سلامة المركبات ذاتية القيادة، التقنية بأنها “بطبيعتها غير موثوقة”، مشيرًا إلى أن فقدان الاتصال في أسوأ توقيت أمر لا مفر منه، وقد لا يظهر في تجربة صغيرة مثل نشر 10 سيارات فقط، لكنه سيظهر بوضوح عند التوسع إلى آلاف أو ملايين المركبات، مما يستدعي التفكير الجاد في المخاطر المحتملة.

حتى الرئيس التنفيذي السابق لـ”وايمو” أعرب عن تحفظه تجاه القيادة عن بُعد، مشيرًا إلى أن تأخير الإشارة الخلوية يجعل الأمر “محفوفًا بالمخاطر”، مما يضيف بعدًا جديدًا للنقاش حول أمان هذه التكنولوجيا.

في المقابل، يرى كوبمان أيضًا أن ترك المركبة تتخذ قراراتها بنفسها دون إشراف بشري مباشر ينطوي على مخاطرة لا تقل أهمية، خصوصًا إذا لم يكن لدى المركبة القدرة على اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب، مما يعكس الحاجة إلى توازن بين الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والتدخل البشري.

من المخاوف الأخرى التي أثارها الخبراء، قدرة المراقبين البشريين على متابعة عدد كبير من المركبات في آنٍ واحد، حيث توجد حدود فنية وعقلية لمدى ما يمكن لشخص واحد مراقبته بكفاءة، مما يستدعي التفكير في كيفية تحسين هذه العمليات.

هذه المخاوف دفعت عددًا من النواب الديمقراطيين في ولاية تكساس إلى مطالبة “تسلا” بتأجيل إطلاق الخدمة حتى سبتمبر المقبل، وهو الموعد المقرر لتطبيق قانون جديد ينظم المركبات الذاتية القيادة في الولاية، مما يعكس أهمية التشريعات في هذا المجال.

واعتبر النواب، في رسالة رسمية إلى الشركة، أن التأجيل يصب في مصلحة السلامة العامة وبناء الثقة المجتمعية في عمليات “تسلا”، مما يعكس الوعي المتزايد بأهمية السلامة في الابتكارات التكنولوجية.

أما بالنسبة لنموذج “تسلا”، فقد ظل ماسك لسنوات يعد بأن برنامج القيادة الذاتية المتطور (Full Self-Driving Supervised) سيتحول يومًا إلى نظام قيادة مستقل تمامًا، يشغّل الروبوتاكسي دون تدخل بشري، مما يعكس طموحات الشركة في الابتكار.

وفي وقت سابق من هذا العام، أعلن ماسك أن الشركة ستطلق خدمة مدفوعة في أوستن، تعتمد على نسخة غير خاضعة للإشراف من البرمجية، مما يثير تساؤلات حول مدى أمان هذه الخطوة.

وفي مايو الماضي، صرح ماسك لقناة CNBC أن المركبات الذاتية من “تسلا” ستعمل فقط في المناطق التي تُعد آمنة لها داخل أوستن، وستتجنب التقاطعات المعقدة، كما سيتم الإبقاء على عنصر بشري لمراقبتها، مما يعكس حرص الشركة على السلامة.

حتى الآن، لا تُعرف بالضبط مهام المراقبين البشر الذين تعتزم “تسلا” الاعتماد عليهم، لكن مصادر من داخل الشركة قالت إن الخطة تشمل تعيين مشغلين عن بُعد يمكنهم تولي التحكم الكامل في المركبة عند تعرّضها لموقف مربك أو غير متوقع، مثل توقفها وسط منطقة مزدحمة بالمشاة دون أن تعرف كيف تتصرف، مما يعكس التحديات التي تواجهها هذه التكنولوجيا.

وبالفعل، نشرت “تسلا” إعلانات وظيفية لمناصب مشغلين عن بُعد، تطلب فيها أشخاصًا لديهم القدرة على “الوصول إلى المركبات والروبوتات والتحكم بها عن بُعد”، مع تنفيذ مهام دقيقة ومعقدة باستخدام أدوات القيادة الافتراضية، مما يعكس التزام الشركة بتوظيف الكفاءات اللازمة لضمان نجاح هذا المشروع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى