
الشاعر الجنوبي المشاغب، عاش ثائراً متمرداً، عشق الثوار في كل مكان، أشعاره كانت تردد في أوقات الأزمات، قصائده أصبحت سلاح الوطنيين، يساري وثوري وقومي، فقد جمعهم على حبه الانحياز الصريح للفقراء والمهمشين، كما أنه حمل الهم القومي الذي كان سائداً في ذلك الوقت، حيث كانت الشعوب العربية تكافح لنيل استقلالها التام ومواجهة الاستعمار والاحتلال الإسرائيلي في الوقت نفسه، ورحل في عام 1983.
أيد أمل دنقل ثورة يوليو وأحب عبد الناصر وتأثر به، ومثل بقية المصريين والعرب شعر بانكسار شديد بهزيمة مصر في يونيو 1967، وضياع الأرض العربية وفلسطين، وعبر عن ذلك في قصيدتيه “البكاء بين يدي زرقاء اليمامة” ومجموعته “تعليق على ما حدث”، حيث تنبأ فيهما بالهزيمة، وجسد فيهما مستوى عالٍ من النضج الفني والشعور العربي المحتقن والمحبط جراء تلك الهزيمة والنكسة التي ألمت بالعرب جميعاً.
مواضيع مشابهة: اليوم عرضت أولى حلقات مسلسل شتي يا بيروت على MBC4
البكاء بين يدي زرقاء اليمامة
قال في قصيدته الأولى “البكاء بين يدي زرقاء اليمامة”: أيتها العرافة المقدسة.. جئت إليك.. مثخناً بالطعنات والدماء، أزحف في معاطف القتلى.. منكسر السيف مغبر الجبين والأعضاء، أسأل يا زرقاء.. عن فمك الياقوت، عن نبوءة العذراء، عن ساعدي المقطوع.. وهو ما يزال ممسكاً بالراية المنكَّسة، عن صور الأطفال في الخوذات.. ملقاةً على الصحراء، عن جاري الذي يهم بارتشاف الماء.. فيثقب الرصاص رأسه.. في لحظة الملامسة، عن الفم المحشو بالرمال والدماء.
في عام 1972 ومع رحيل عبد الناصر واستمرار إطلاق الوعود بقرب الحرب ونيل النصر، كتب أمل دنقل قصيدته “أغنية الكعكة الحجرية” التي يقول فيها: أيها الواقفون على حافة المذبحة.. أَشهِروا الأسلحة، سقط الموت، وانفرط القلب كالمسبحة، والدم انساب فوق الوشاح، المنازل أضرحة، والزنازن أضرحة، والمدى.. أضرحة، فارفعوا الأسلحة، واتبعوني، أنا ندم الغد والبارحة، رايتي: عظمتان، وجمجمة، وشعاري: الصباح.
قصيدة لا تصالح لرفض التطبيع
عندما أعلن الرئيس السادات زيارته إلى إسرائيل وإلقاء خطاب في القدس، كتب أمل دنقل قصيدته “لا تصالح”، التي وصفت بأنها أشهر منشور شعري سياسي تداوله الرافضون للتطبيع مع إسرائيل، كما أنها صرخة أطلقها الشاعر الجنوبي رافضاً توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، والتطبيع حتى لقب بأمير شعراء الرفض، وأصبحت تتردد في المظاهرات المناهضة للتطبيع، وصارت شعارات تتردد على ألسنة الثوار والمتظاهرين.
مواضيع مشابهة: بعد نفي علاقتهما، نشرت صحف يابانية صورا للنجم الكوري جو هاكنيون مع ممثلة الأفلام الإباحية
يقول في قصيدته: لا تصالح.. ولو منحوك الذهب، أترى حين أفقأ عينيك.. ثم أثبت جوهرتين مكانهما، هل ترى؟ هي أشياء لا تُشترى، هل يصير دمي – بين عينيك- ماءً؟، أتنسى ردائي الملطخ بالدماء.. تلبس – فوق دمائي- ثيابًا مطرزة بالقصب؟، إنها الحرب قد تثقل القلب.. لكن خلفك عار العرب، لا تصالح.. ولا تتوخ الهرب، لا تصالح على الدم.. حتى بدم، لا تصالح ولو قيل رأس برأس.. أكل الرؤوس سواء؟، أقلب الغريب كقلب أخيك؟.. أعيناه عينا أخيك؟، تتساوى يد سيفها كان لك.. بيدٍ سيفها أثكلك؟
كثيرون من الثوار العرب رددوا شعر أمل في مظاهراتهم وعلى حوائط بيوتهم، وكثير من الفلسطينيين الأحرار حفظوه، لكن ربما لم يخطر ببال أحد أن فلسطين سارت مع أمل، ومضت بتجربته.
البداية مع كلمات سبارتكوس
ولد الشاعر أمل دنقل بقرية القلعة مركز قفط بمحافظة قنا أقصى جنوب الصعيد عام 1940، فنشأ على طباع الصعيد حتى أن رفاقه أطلقوا عليه وصف “الجنوبي” لاحتفاظه بأصالة الجنوب بداخله، وسماه والده أمل بسبب حصول والده على العالمية في الأزهر، درس بكلية الآداب جامعة القاهرة، وعمل موظفاً في البداية بجمرك الإسكندرية، وفي عام 1962 بدأ كتابة الشعر وتفرغ له، فكتب أول قصائده “كلمات سبارتكوس الأخيرة” و”رسالة من الشمال”، تعرّف على الشاعر عبد المعطي حجازي وكان أقرب الأصدقاء إلى قلبه، والكاتب أحمد بهجت الذي نشر له بعض قصائده في صحيفة الأهرام.
وفي عام 1965 انتقل “أمل” إلى القاهرة، وتوطدت علاقته بالشاعر عبد المعطي حجازي الذي كان أقرب الشعراء إلى قلبه، ونال جائزة المجلس الأعلى للآداب والفنون للشعراء الشبان تحت عمر الثلاثين.
رحيل أهم الشعراء المطاردين
في عام 1983 رحل الشاعر الجنوبي المتمرد أمل دنقل الذي ملأ خلال فترة وجوده بالقاهرة مقاهي وسط المدينة شعراً واشتباكات ومسودات قصائد، وكان على رأس قائمة أهم الشعراء والمطاردين.