اقتصاد

السعودية تعزز استثماراتها بالسندات الأمريكية في خطوة تهدف إلى تحقيق توازن مالي في زمن التقلبات الاقتصادية.

– السعودية رفعت حيازتها من سندات الخزانة الأمريكية إلى 133.8 مليار دولار، بزيادة شهرية بنسبة 1.67%.

– تهدف المملكة من هذه الاستثمارات إلى تنويع احتياطاتها الأجنبية بعوائد مستقرة ومنخفضة المخاطر.

– استمرار الاستثمار يعكس ثقة في الاقتصاد الأمريكي، وحرصاً سعودياً على التوازن المالي وسط تقلبات الأسواق العالمية.

في إطار تفاعل السعودية المستمر مع الأسواق المالية العالمية، وخاصة الأمريكية، تواصل المملكة تعزيز استثماراتها في أدوات الدين الأمريكية، مما يثير تساؤلات حول الأسباب الاقتصادية والاستراتيجية وراء هذا التوجه، بالإضافة إلى دلالاته على السياسات المالية السعودية في ظل الظروف الدولية الراهنة.

وقد أظهرت البيانات زيادة ملحوظة في حجم استثمارات المملكة في سندات الخزانة الأمريكية، مما يعيد تسليط الضوء على مكانة السعودية كواحدة من أكبر حائزي هذه الأداة المالية الأمريكية.

تصاعد استثماري

على الرغم من التقلبات الاقتصادية العالمية والتغيرات في أسعار الفائدة، واصلت السعودية زيادة استثماراتها في سندات الخزانة الأمريكية، خلال أبريل 2025، لتسجل نمواً للشهر الثاني على التوالي، مما يدل على استمرار الثقة في استقرار العوائد الأمريكية أو في إطار استراتيجية تنويع الأصول الأجنبية للمملكة.

ووفقاً لبيانات وزارة الخزانة الأمريكية الصادرة في 19 يونيو 2025، ارتفعت الحيازة السعودية من هذه السندات بمقدار 2.2 مليار دولار مقارنة بنهاية مارس، لتصل إلى 133.8 مليار دولار، بنسبة زيادة شهرية 1.67%.

ورغم هذا الارتفاع الأخير، فإن حيازة المملكة سجلت تراجعاً طفيفاً بنسبة 1.18% على أساس سنوي، مقارنة بأبريل 2024، حين بلغت الاستثمارات 135.4 مليار دولار.

وتتوزع حيازة المملكة من السندات وأذون الخزانة الأمريكية ما بين 103.9 مليارات دولار طويلة الأجل بنسبة 79%، ونحو 27.7 مليار دولار سندات وأذون خزانة قصيرة الأجل بنسبة 21%.

وتُظهر الأرقام أن السعودية احتلت المرتبة الـ17 عالمياً ضمن قائمة كبار المستثمرين في السندات الأمريكية، متقدمة على العديد من الدول، فيما تصدرت اليابان القائمة بـ 1.134 تريليون دولار، تلتها المملكة المتحدة بـ 807.7 مليارات دولار، ثم الصين بـ 757.2 مليار دولار.

وتأتي هذه الزيادة السعودية في وقت ارتفعت فيه القيمة الإجمالية لإصدارات سندات الخزانة الأمريكية إلى 9013.4 مليار دولار، في نهاية أبريل 2025، بزيادة سنوية بلغت 12.16%، رغم انخفاض طفيف شهري بنسبة 0.4%، مما يعكس توجه الولايات المتحدة نحو تعزيز الاقتراض الحكومي.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه البيانات تتعلق فقط باستثمارات المملكة في أذون وسندات الخزانة، ولا تشمل الأصول الأخرى كالأوراق المالية والأسهم والنقد.

دوافع اقتصادية

ويقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي أحمد صدام إن دوافع السعودية للاستثمار في السندات الأمريكية تتمثل في تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين.

ويضيف لـ”أحداث اليوم” أن ارتباط الريال السعودي بالدولار يجعل زيادة الاستثمارات في السندات، كونها استثماراً آمناً، يمنح استقراراً للعملة على المدى الطويل.

ويشير صدام إلى أنه على الرغم من أن عوائد هذا الاستثمار منخفضة، فإنها مستقرة وتسهم في تنويع مصادر الدخل، معرباً عن اعتقاده بأن توزيع الحيازة السعودية بين سندات قصيرة وطويلة الأجل يهدف إلى التحوّط في جميع الظروف.

ويبين أن السندات قصيرة الأجل تتميز بسهولة تسييلها لمواجهة التقلبات المالية المفاجئة، خاصة خلال فترات تقلب أسعار النفط وعجز الموازنة العامة للدولة.

أما السندات طويلة الأجل التي تمتد لأكثر من عشر سنوات، فتعكس ثقة متخذ القرار السعودي في الاقتصاد الأمريكي، ويمكن استثمار عوائدها في مشاريع مستقبلية.

ويوضح صدام أن ارتفاع أسعار الفائدة يؤثر تأثيراً مؤكداً في زيادة العوائد، ولكن الأهم من ذلك هو مساهمته في جذب رؤوس الأموال إلى الولايات المتحدة، مما يعزز قيمة الاحتياطيات الدولارية السعودية.

ويضيف أنه في حال ارتفاع التضخم فإن ذلك يقلل من جاذبية الاستثمار في أدوات الدين، ويخفض قيمتها الاسمية، مما يدفع المملكة غالباً إلى الاستثمار في السندات المحمية من التضخم.

ويعتقد أن السعودية ستستمر في هذا التوجه خلال ولاية ترامب، ولكن العامل الحاسم في ذلك هو استمرار أسعار الفائدة المرتفعة ومعدلات التضخم المقبولة.

ويشير إلى أهمية الحفاظ على حالة التوازن من خلال الاستثمار في الاقتصاد السعودي بمشاريع تحقق عوائد أعلى بكثير من عوائد السندات الأمريكية.

ويتوقع صدام أن ينخفض مستوى التوجه السعودي نحو السندات الأمريكية في حال انخفاض أسعار الفائدة واستقرار الاقتصاد العالمي وتحسن أسعار النفط.

1

أهمية استراتيجية

تمثل سوق السندات الأمريكية أحد أعمدة النظام المالي العالمي، ولا سيما أنها أداة محورية في تمويل الحكومة الأمريكية، ومقياساً حساساً لتوقعات المستثمرين تجاه الاقتصاد.

لذا فإن توجّه السعودية نحو تعزيز استثماراتها في هذا السوق لا يُعد مجرد خطوة مالية، بل يعكس رؤية استراتيجية بعيدة المدى تستند إلى أسس الاستقرار والعائد المنخفض المخاطر.

ويشير تقرير نشرته شبكة التلفزيون الأمريكية “بي بي إس”، في 17 أبريل الماضي، إلى أن السندات، وخاصة سندات الخزانة الأمريكية، تُعد من أكثر الأصول أماناً على المستوى العالمي، نظراً لقوة الاقتصاد الأمريكي ومكانة الدولار كعملة احتياط رئيسية.

ومن هذا المنطلق يأتي اهتمام السعودية المتواصل بهذا السوق كجزء من إدارة احتياطاتها الأجنبية وتنويع محفظتها الاستثمارية، بما يعزز استقرارها المالي في مواجهة تقلبات الأسواق الأخرى.

ويكتسب هذا التوجه السعودي مزيداً من الأهمية في ظل ما يُعرف بتأثير سوق السندات على تكاليف الاقتراض عالمياً، فعندما ترتفع عوائد السندات الأمريكية تزداد كلفة الاقتراض على الحكومات والشركات والمستهلكين على حد سواء، ما يجعل هذا السوق بمثابة الباروميتر الذي تقيس به الدول الاتجاهات الاقتصادية الكبرى.

وفي إطار ذلك صرّح وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، خلال افتتاحه منتدى الاستثمار السعودي – الأمريكي في الرياض، الذي عقد على هامش زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة والخليج، في 13 مايو 2025، بأن المملكة تتطلع إلى زيادة استثماراتها مع الولايات المتحدة في مجالات عدة.

وأوضح الوزير السعودي أن بلاده تعمل على تعميق استثماراتها في أمريكا إلى 600 مليار دولار، خلال السنوات الأربع القادمة.

وتشير تجارب الأسواق في السنوات الأخيرة إلى أن تقلبات سوق السندات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقرارات السياسية والاقتصادية الدولية، كما حدث عند فرض رسوم جمركية أمريكية عام 2025، حين قفزت العوائد على السندات بشكل مفاجئ، ما أضعف جاذبية السندات مؤقتاً وأثار قلق المستثمرين بشأن المستقبل الاقتصادي، بحسب “بي بي إس”.

ولذلك، يرى مراقبون أن عودة السعودية لزيادة استثماراتها في هذا السوق تحديداً خلال فترة اضطراب نسبي، تُقرأ كإشارة ثقة وكمحاولة لتحصين الأصول الوطنية ضد موجات التضخم أو ارتفاع أسعار الفائدة، مع الحفاظ على مرونة مالية عالية في إدارة السيولة.

وبهذا المعنى، لا تمثل سندات الخزانة الأمريكية مجرد وسيلة لتحقيق عائد، بل تُعد أداة استراتيجية تستخدمها الدول –ومنها السعودية– لتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاستقرار المالي في سياق اقتصادي عالمي يتسم بالتغير السريع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى