
باره عريان _ قال د. مدحت نافع، عضو اللجنة الاستشارية المتخصصة للاقتصاد الكلي التابعة لرئاسة الوزراء، إن الاقتصاد العالمي بدأ في مواجهة بعض التحديات العاجلة، التي تؤثر بشكل مباشر على أسعار المعادن، وخاصة الذهب، وكذلك على أسعار النفط وتقلبات مؤشر الخوف والأسعار بشكل عام، بالإضافة إلى تأثيرها على أسعار العملات، حيث بدأ الدولار يتعرض لضغوط كبيرة في سوق العملات، وهو ما لا ينعكس بشكل مشابه على الوضع في مصر.
وأوضح د. نافع في تصريحات خاصة لجريدة أحداث اليوم، أن الاعتماد على العملة الصعبة في مصر يجعل الدولار مجرد أداة تعكس الانكشاف للعالم الخارجي والعجز في ميزان المدفوعات، وخاصة ميزان التجارة، مما يظهر أن حركة الدولار في مصر تخضع لعوامل مختلفة عن سوق الفوركس العالمي.
شوف كمان: وزير الطيران المدني يلتقي بأهم الشركات العالمية لتطوير المطارات المصرية
ويرى أن التوقعات للاقتصاد العالمي قد تشهد مزيدًا من التشاؤم فيما يتعلق بمعدلات النمو، بالإضافة إلى احتمال تباطؤ اقتصادي إضافي، مشيرًا إلى أن سياسات التيسير النقدي قد تتخذ مسارًا مرتبكًا في ظل هذه العوامل، حيث ستحاول مواجهة مخاوف التباطؤ، مع الحرص على امتصاص الموجات التضخمية التي ستنتج عن ارتفاع أسعار النفط وارتباك سلاسل التوريد وأسواق السلع والخدمات والمعادن.
وأشار إلى أن الاقتصاد المصري قد يواجه مشكلة في إمدادات الغاز من الشرق، مؤكدًا أن مصر تتعامل بحذر شديد مع ملف الغاز خلال أشهر الصيف لتدبير الموارد الأجنبية، لافتًا إلى نجاح مصر في إبرام صفقة لشراء الغاز الطبيعي المسال بتكلفة تتجاوز 8 مليارات دولار قبل ارتفاع الأسعار بيوم واحد، وهو ما يعد إنجازًا جيدًا.
واستطرد قائلاً: «تلك الصفقات ستؤمننا بشكل جيد فيما يتعلق بالشحنات السائلة التي تحتاج إلى تحويل الغاز الطبيعي المسال إلى الحالة الغازية، مع العلم أن عملية التغويز تواجه بعض الصعوبات التقنية.»
ونوه د. نافع إلى إغلاق حقل «ليفياثان» البحري للغاز في إسرائيل، الذي كان يغطي جزءًا كبيرًا من احتياجات مصر من الغاز، خاصة خلال فترة الذروة الصيفية واحتياجات الكهرباء، مما دفع وزارة البترول إلى اتخاذ قرارات مهمة، تشمل الإعلان عن خطة طوارئ لإدارة المخاطر، تعتمد على زيادة استهلاك محطات الكهرباء للمازوت إلى الحد الأقصى، والتنسيق لتشغيل بعض المحطات بالسولار، بالإضافة إلى تقليل الاعتماد على الغاز، وخفض إمدادات الغاز الطبيعي لبعض الأنشطة الصناعية، مثل مصانع الأسمدة، مما يعكس اتخاذ تدابير جيدة وتحركات مهمة للغاية.
زيادة التقلبات تلقي بظلالها على الاستثمارات المباشرة الموجهة طويلة الأجل
أما بالنسبة لانعكاسات هذه المستجدات على أسواق المال عالميًّا ومحليًّا، أشار إلى أنها ستشهد مزيدًا من الارتباك والتقلبات في ظل حالة عدم اليقين التي تسود الأسواق، منوهًا بأنه كلما زادت التقلبات، سيكون من الصعب وجود استثمارات مباشرة طويلة الأجل، مما سيؤثر سلبًا على احتياجات النقد الأجنبي.
وأكد أن هذه العوامل ستؤدي إلى مشكلة في حركة رؤوس الأموال عالميًّا ومحليًّا وإقليميًّا، نتيجة ترقب المستثمرين لانتهاء هذه الموجات، حيث إن الحديث الآن ليس عن حرب قصيرة، بل تشير التوقعات إلى أنها ستكون طويلة الأمد.
اقرأ كمان: رئيس البنك الزراعي يزور المقر الجديد بالعاصمة الإدارية استعداداً للافتتاح المرتقب قريباً
وتابع: “المشكلة التي تواجه مصر لا تقتصر على إمدادات الغاز وسلاسل التوريد، بل تشمل أيضًا الصدمات التضخمية التي نعاني منها منذ فترة، حيث إنها لم تنقطع وتأثرت سلبًا مع رفع أسعار المحروقات، بالإضافة إلى استمرار التيسير النقدي للمرة الثانية على التوالي، حيث كنت أرى أن المرة الثانية قد تشهد تثبيتًا لأسعار الفائدة.”
مصر ستتأثر بانعكاس الأحداث الحالية على إيرادات السياحة وقناة السويس
ونوه إلى ما قد تتعرض له مصر من تأثيرات، حيث ستلقي التوترات بظلالها أيضًا على إيرادات السياحة وإيرادات قناة السويس، مشيرًا إلى أن تحركات إيران في مضيق هرمز قد تؤثر بشكل كبير على أسعار النفط وحركة الملاحة والتجارة بشكل عام، حيث تمثل التجارة النفطية نسبة جيدة من حركة المرور في قناة السويس.
وأوضح أن السياحة تكتسب أهمية كبيرة، خاصة وأن الإيرادات السياحية بدأت في النمو بوتيرة جيدة مؤخرًا، بالإضافة إلى تحويلات العاملين بالخارج التي بدأت تعود بقوة، مشيرًا إلى أنها قد تتأثر سلبًا في حال حدوث ارتباك في حركة العمالة بالمنطقة نتيجة الإغلاقات أو تباطؤ اقتصادي.
ضرورة اتخاذ تدابير استباقية واتباع سياسات لمواجهة التقلبات الدورية
وحول التدابير اللازمة لتجاوز هذه الظروف الاستثنائية، أكد د. مدحت نافع أن التدابير يجب أن تكون استباقية، فمن الضروري وجود سياسات لمواجهة التقلبات الدورية على المستويات المالية والنقدية والتجارية، وألا نعتمد على السياسات التفاعلية.
وأكد أن ما أعلنته وزارة البترول من تطبيق خطة طوارئ يمثل نموذجًا للسياسات التي نرجوها، آملاً أن يكون الإفصاح دقيقًا، حيث إن ذلك يعكس وجود سياسة وخطة إدارة مخاطر يتم تفعيلها عند الأزمات وليس إعادة اختراعها آنذاك، وهو ما يقلل من تكلفة إدارة الأزمة.
وأوضح أن البديل الوحيد لإدارة المخاطر هو إدارة الأزمة، التي تتسم بكونها أكثر تكلفة بكثير.
وعن السبيل الأمثل لمواجهة الضغوط التضخمية، أكد أن السياسات النقدية تلعب دورًا كبيرًا في هذا السياق، كما أن السياسات التقشفية المالية والتقييدية مهمة للغاية، مشيرًا إلى أننا نسير في هذا الاتجاه، حيث بدأت السياسة المالية تتجه نحو ذلك، خاصة في الاستثمارات الحكومية، مما انعكس بشكل إيجابي على تخفيف العبء على الموازنة العامة خلال العام الماضي، بالإضافة إلى تحسين الفائض الأولي بشكل ملحوظ.
ونوه نافع إلى أهمية السياسات الأخرى المتعلقة بتوفير مخزون استراتيجي آمن من السلع، من خلال إدارة العقود للتحوط ضد تقلبات السلع الأساسية والاستراتيجية، حيث يعد ذلك أهم من التخزين المادي لتلك السلع، نظرًا لأهمية وجود عقود للتحوط ضد الأزمات المتوقعة خلال الفترة القادمة.