
بدأت العديد من دول أفريقيا جهودها لإنشاء أنظمة مدفوعات بالعملة المحلية، وهو ما كان في السابق مجرد حلم، ولكن الآن تحقق هذه الجهود مكاسب ملموسة، مما يعد بتجارة أقل تكلفة للقارة التي عانت من معاملات الدولار التي تستنزف مواردها، وقد أُطلقت هذه الحملة خلال قمة “مجموعة دول الـ20” للاقتصاديات الكبرى، حيث قادت دولة جنوب أفريقيا هذه الجهود بصفتها الرئيس الدوري للمجموعة.
لكن هذه المساعي للابتعاد عن الدولار تواجه معارضة شديدة وتهديدات من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ووفق تحليل لشبكة “يو إس نيوز” الأمريكية، فإن الجهود للتخلص من هيمنة العملة الخضراء ستُواجه بمعارضة قوية وتهديدات بالتصعيد من ترامب الذي يصر على الحفاظ على هيمنة الدولار في التجارة العالمية، ويعكس تحرك أفريقيا لإنشاء منظومة مدفوعات مستقلة دور الصين التي تدفع لتطوير أنظمة مالية بعيدة عن المؤسسات الغربية، بالإضافة إلى دول أخرى مثل روسيا التي تسعى لإيجاد بدائل للدولار بسبب العقوبات الاقتصادية.
اقرأ كمان: تصدرت مصر للألومنيوم وكيما قائمة فوربس لأقوى 50 شركة في مصر لعام 2025.
بينما تكتسب هذه الجهود زخماً كبيراً في ظل التحولات الجيوسياسية التي شهدها العالم بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، فإن المدافعين عن إيجاد بدائل الدفع في أفريقيا يستندون إلى تكاليف التجارة، حيث قال مايك أوجبالو، الرئيس التنفيذي لـ”نظام المدفوعات والتسويات عبر أفريقيا” (بابسس)، الذي يتيح للأطراف إبرام صفقاتها مباشرة بالعملات المحلية دون الحاجة للدولار، “على عكس ما يعتقد البعض، هدفنا ليس التخلص من الدولار” وتابع “إذا نظرنا إلى الاقتصادات الأفريقية، نجد أنها تعاني من أجل توفير عملات عالمية عبر طرف ثالث لتسوية المعاملات” ومع ذلك، يشير أوجبالو إلى أن استخدام عملات مثل “نيرة” النيجيرية أو “سيدي” الغاني أو “راند” جنوب أفريقيا لإتمام المدفوعات التجارية بين الدول الأفريقية يمكن أن يوفر على القارة حوالي 5 مليارات دولار من العملات الصعبة سنوياً.
ويضيف أن البنوك التجارية تعتمد بشكل نمطي على نظراء لها عبر الحدود من خلال ما يُعرف بعلاقات المراسلة المصرفية لتسهيل تسويات المدفوعات الدولية، ويتضمن ذلك المدفوعات بين الدول الأفريقية المجاورة، بجانب عوامل أخرى تتعلق بضعف البنية التحتية الأساسية للنقل، مما يسبب أعباء إضافية كبيرة عند إبرام الصفقات، مما جعل التجارة في أفريقيا أكثر تكلفة بنسبة 50% مقارنة بالمتوسط العالمي وفقاً لمنظمة “مؤتمر التجارة والتنمية التابع للأمم المتحدة” (أونكتاد).
شوف كمان: تقرير رسمي حول: زيادة عدد جهات التمويل متناهي الصغر إلى 1038 جمعية وشركة
ومن بين العوامل الأخرى، أن غالبية التجارة الأفريقية، والتي تصل إلى 81% وفق تقرير لمجموعة “إم سي بي” ومقرها موريشيوس، تُنفذ مع أطراف خارجية وليست بين الدول الأفريقية نفسها.
يقول البروفيسور دانيل ماكدويل من “جامعة سيراكوس” المتخصصة في التمويل الدولي في نيويورك، “إن الشبكة المالية الحالية، التي تعتمد بشكل كبير على الدولار، أصبحت أقل فعالية وأكثر كلفة بالنسبة لأفريقيا” وحسب أرقام “نظام المدفوعات والتسويات عبر أفريقيا” (بابسس)، فإن تجارة قيمتها 200 مليون دولار بين بلدين أفريقيين مختلفين قد تتحمل تكاليف تتراوح بين 10 و30% من قيمة الصفقة، بينما يمكن أن يسهم التحول إلى إنشاء منظومات دفع محلية أفريقية في خفض تكاليف الصفقة إلى مجرد 1%.
حالياً، تعمل خدمات “بابسس” التي أُطلقت في يناير 2022 بمشاركة 10 بنوك تجارية فقط في 15 دولة مثل زامبيا ومالاوي وكينيا وتونس، ولديها حالياً 150 بنكاً تجارياً في شبكتها، وفي الوقت نفسه، بدأت “مؤسسة التمويل الدولية”، ذراع إقراض القطاع الخاص التابع للبنك الدولي، بإصدار قروض للشركات الأفريقية بالعملات المحلية.
قال نائب رئيس “مؤسسة التمويل الدولية”، إثيوبيس تافارا، إن المؤسسة تعتبر هذا التحول أمراً حتمياً لنموها، حيث يعمل على تخفيف المخاطر المتعلقة بالإقراض بالدولار، فإذا لم تتمكن الشركات من توليد عملة صعبة، فإن تقديم قرض بالعملة الصعبة سيفرض عبئاً يجعل من الصعب تحقيق النجاح.
وكان محافظ البنك المركزي لجنوب أفريقيا، ليسيتجا كجانياجو، قد صرح في اجتماع مجموعة الـ20 في كيب تاون في فبراير بأن “بعض أغلى الممرات للمدفوعات عبر الحدود توجد فعلياً في القارة الأفريقية، ومن المهم لنا كقارة البدء في التجارة والتسوية عبر عملاتنا المحلية”.
لكن الحديث عن الابتعاد عن الدولار، سواء بالنسبة للتجارة أو كاحتياطي العملات، أثار ردود فعل عدائية من الرئيس ترامب، ويرى أستاذ المالية الدولية بجامعة سيراكوس الأمريكية، بروفيسور ماكدويل، أنه بغض النظر عن نوايا أفريقيا بالتحرك نحو إبرام الصفقات بالعملات المحلية، فإن القارة ستواجه صعوبات كبيرة في الابتعاد عن جهود التخلص من التعامل بالدولار لأسباب سياسية تقودها كل من الصين وروسيا، ويقول “على الأرجح سيكون الاعتقاد السائد بأن الأمر يتصل بعوامل الجغرافيا السياسية”.
شوف كمان: استثمار 7 ملايين دولار في مشروع مبتكر لصناعة الملابس الجاهزة بالقنطرة غرب