
الخبير الاقتصادي د. عبد النبي عبد المطلب:
نسبة كبيرة من الإيرانيين المقيمين في الخليج ينتمون لطبقة التجار والمستثمرين وأصحاب المراكز العليا
رغم وضعهم الأفضل، فهم ليسوا بمنأى عن التأثر، فحجم الأضرار يتوقف على نوع النشاط التجاري وطبيعته
بعض القطاعات قد تنتعش بفعل الحرب، مثل تجارة السلع الأساسية والمواد المرتبطة بالأزمات
في ظل تصاعد الصراع بين إيران و”إسرائيل”، يعيش آلاف الإيرانيين المقيمين في دول الخليج العربي لحظات حاسمة قد تعيد تشكيل مستقبلهم المهني والاجتماعي، حيث تتجه المنطقة نحو مرحلة حرجة مع تفاقم التصعيد العسكري الذي يهدد الاستقرار في الممرات البحرية والمجالات الجوية والنشاط الاقتصادي.
تطرح هذه الظروف تساؤلات ملحّة حول مصير الجاليات الإيرانية التي تجد نفسها في وسط معادلات سياسية معقدة لا دخل لها فيها، فالإيرانيون في مدن مثل دبي والكويت ومسقط لم يأتوا بخطاب المواجهة، بل بحقائق الاستثمار والعمل والدراسة والاندماج في نسيج اقتصادي واجتماعي خليجي مستمر منذ عقود.
مواضيع مشابهة: مدبولي يؤكد أن تطوير مدينة رأس الحكمة يعزز الاستثمارات ويحقق طفرة تنموية في الساحل الشمالي الغربي
ومع تزايد المخاطر، تظهر تحديات تتعلق بالتنقل والاستقرار المالي، وحتى النظرة الأمنية في بعض الدول.
امتداد جالية إيران خليجياً
تعتبر دولة الإمارات الأكثر احتواءً للجالية الإيرانية في الخليج، حيث استضافت في عام 2022 أكبر عدد من الإيرانيين بلغ 454 ألفاً، وتؤكد الإحصاءات أن العدد الفعلي للإيرانيين في الإمارات يصل إلى نحو 800 ألف نسمة، وتنتشر هذه الجالية في المدن الرئيسية، خصوصاً دبي وأبوظبي، حيث أسسوا موطئ قدم في التجارة والعقارات والخدمات المهنية.
وفقاً لمجلة “الإيكونوميست”، يوجد في دبي وحدها 7.660 شركة مسجلة تحمل اسم “إيراني”، وتشغل أكثر من 13 ألف رجل أعمال إيراني، مما يجعلهم ركيزة أساسية في الحركة التجارية والعقارية، كما تضم الإمارات أربع جامعات إيرانية، ويبلغ عدد الطلاب الإيرانيين فيها أكثر من 30 ألفاً يدرسون في تخصصات تتراوح بين الهندسة والطب والعلوم الإنسانية.
أما في الكويت، فقد شهد عدد الإيرانيين تراجعاً ملحوظاً، حيث انخفض من 51.940 في عام 1990 إلى 33.568 في نهاية 2022، ما نسبته 0.71% من إجمالي السكان، وفق الهيئة العامة للمعلومات المدنية الكويتية.
ويؤكد السفير الإيراني لدى الكويت أن أبناء جاليتهم يشغلون مناصب مهمة، بينهم الأطباء والتجار، بينما يبلغ عدد الجالية الإيرانية في دولة قطر نحو 20 ألف إيراني، وعدد الشركات الإيرانية العاملة في الدولة بلغ نحو 811 شركة تنشط في مجالات اقتصادية حيوية.
وفي عُمان، استقر نحو 20 ألف إيراني، وأسست جاليتهم 2.710 شركات، منها 1.163 شركة مملوكة بالكامل لإيرانيين، و1.547 شركة مشتركة مع شركاء عمانيين، بينما لا توجد إحصائيات دقيقة حول عدد الإيرانيين والاستثمارات الإيرانية في السعودية والبحرين، خصوصاً بعد استئناف العلاقات بين الدولتين وإيران قبل عامين.
رسائل دعم خليجي
في بادرة إنسانية في ظل الحرب، وجه ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز آل سعود بتسهيل كافة احتياجات الحجاج الإيرانيين وتوفير الخدمات لهم حتى يتمكنوا من العودة سالمين إلى وطنهم، وذلك نتيجة توقف خطوط الطيران بسبب الحرب، وجاءت هذه المبادرة لتؤكد أن الروابط بين الشعوب تتجاوز السياسة، وأن الخليج يظل مؤمناً بقيم التآخي والتراحم.
كما أمر رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بإعفاء رعايا إيران داخل الدولة من الغرامات المترتبة عليهم نتيجة تأخرهم عن مغادرة البلاد، سواء كانوا مقيمين أو زائرين بتأشيرات مختلفة، استجابةً للظرف الاستثنائي الذي تمر به المنطقة، وتخفيفاً عنهم في ظل إغلاق المجال الجوي وتعليق الرحلات.
ونشطت الدبلوماسية الخليجية أيضاً لوقف الحرب والعودة إلى الحوار لحل أزمة الملف النووي الإيراني.
هاجس مؤرق
يبقى هاجس الجميع هو حجم التأثيرات المحتملة على الجالية الإيرانية في الخليج، فالارتفاع المتكرر لأسعار النفط، والإغلاق المؤقت للمنشآت البحرية أو تراجع الحركة التجارية، جميعها عوامل قادرة على قلب موازين الأعمال، ورغم أن مستويات التنسيق الخليجي – الإيراني شهدت تحسناً نسبياً منذ إعادة فتح الحوار الدبلوماسي قبل عامين، فإن أي تصعيد أكبر قد يفرض ضغوطاً جديدة على المستثمرين الإيرانيين وموظفيهم، سواء عبر عوائق لوجستية أو إجراءات بنكية أشد تشدداً.
في هذا السياق، حذر الخبير الاقتصادي د. عبد النبي عبد المطلب من أن أي تصعيد عسكري جديد في الحرب بين إيران و”إسرائيل” قد تكون له تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة تطول الجالية الإيرانية المقيمة في دول الخليج، خاصة إذا تدخلت الولايات المتحدة في المواجهة، وأكد عبد المطلب لـ”أحداث اليوم” أن نسبة كبيرة من الإيرانيين المقيمين في دول الخليج هم من أصحاب رؤوس الأموال، مشيراً إلى أنهم قد يلعبون دوراً مهماً في توفير احتياجات بلادهم أو البلدان الخليجية التي يقيمون بها في حال تفاقمت تداعيات الحرب، موضحاً:
-
أي تدخل عسكري أمريكي يستهدف المنشآت النووية الإيرانية قد يخلّف تسرباً إشعاعياً في مياه الخليج، مما يُنذر بكارثة بيئية قد تقضي على مظاهر الحياة في المنطقة.
-
دول الخليج تعتمد على تحلية مياه البحر لاستخدامه في الحياة اليومية، وأي تلوث إشعاعي سيكون له آثار جسيمة على الصحة العامة والبيئة.
-
استمرار الحرب يستنزف موارد دول المنطقة، مما يدفعها إلى تخزين السلع والمؤن، لكن كثيراً منها لا يحتمل التخزين الطويل أو يتطلب طاقة مرتفعة.
-
ارتفاع أسعار الطاقة يؤدي إلى زيادة تكلفة التخزين والنقل، مما ينتج عنه تضخم اقتصادي شامل.
-
التضخم يقود إلى تقليص التكاليف التشغيلية في الشركات الخليجية، مما يزيد من معدلات البطالة ويقلص أعداد العمالة الأجنبية.
-
وبذلك تكون العمالة الإيرانية في الخليج مهددة بفقدان وظائفها، خصوصاً في حال الركود الاقتصادي أو الاتجاه لتقليص العمالة غير الخليجية.
يؤكد الخبير الاقتصادي أيضاً أن الجالية الإيرانية في الخليج تتمتع بخصوصية، مشيراً إلى:
-
نسبة كبيرة من الإيرانيين المقيمين في الخليج ينتمون لطبقة التجار والمستثمرين وأصحاب المراكز العليا.
-
رغم وضعهم الأفضل، فهم ليسوا بمنأى عن التأثر، فحجم الأضرار يتوقف على نوع النشاط التجاري وطبيعته.
-
بعض القطاعات قد تنتعش بفعل الحرب، مثل تجارة السلع الأساسية والمواد المرتبطة بالأزمات.
-
الإيرانيون المقيمون قد يؤدون دوراً مزدوجاً يتمثل في:
– دعم إيران بتأمين احتياجات يصعب وصولها مباشرة.
– دعم دول الخليج عبر تخزين السلع وتوفيرها خلال الأزمة.