
الخبير الاقتصادي نبيل جبار التميمي:
انهيار الاتفاق التجاري بين بكين وواشنطن وعودة التوترات سيخلف آثاراً سلبية على الاقتصاد العالمي
على دول الخليج دراسة السيناريوهات المتعلقة بإعادة رسم سياساتها الاقتصادية مع الصين، والأمنية مع الولايات المتحدة؛ في حال انهار الاتفاق الصيني الأمريكي
تشير المعلومات إلى توصل واشنطن وبكين لاتفاق بشأن المعادن الأرضية، مما يُعد تحولاً مهماً في علاقتهما، ويؤثر إيجاباً على الدول الأخرى، وخاصة دول الخليج، التي تربطها علاقات وثيقة مع الطرفين، خصوصاً في الجانب الاقتصادي.
عودة الاستقرار النسبي إلى سوق المعادن تمنح دول الخليج فرصة لإعادة التفاوض مع الشركاء الأمريكيين والصينيين على أسس أوضح وأقل تقلباً، كما تفتح نافذة جديدة للاستثمارات الخليجية في شركات التعدين والتكرير.
من نفس التصنيف: وزير الاستثمار يزور الإمارات لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين
في يوم الجمعة (27 يونيو الجاري)، صرح مسؤول أمريكي في البيت الأبيض بأن بلاده توصلت إلى اتفاق مع الصين يقضي بتسريع شحنات المعادن الأرضية النادرة إلى الولايات المتحدة.
يأتي ذلك بعد يوم من تأكيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توصل بلاده إلى اتفاق مع الصين، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل حول حيثيات الاتفاق، وسط جهود لإنهاء الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.
وأوضح المسؤول الأمريكي أن الجانبين توصلا إلى تفاهم إضافي ضمن إطار تنفيذ اتفاق جنيف، مضيفاً أن الاتفاق يركز على تسريع شحن المواد الأرضية النادرة، التي تُعتبر ضرورية لصناعات استراتيجية أمريكية.
تطور العلاقات
مع بداية ولايته، مطلع العام الجاري، أطلق ترامب موجة توترات تجارية جديدة، شملت الصين وعدداً من الشركاء التجاريين العالميين.
ردّت بكين بوقف تصدير مجموعة من المعادن الحيوية، مما زاد القلق بشأن استقرار التجارة الدولية.
في مايو الماضي، تعهدت الصين خلال مباحثات مع واشنطن بإزالة تدابير غير جمركية على المنتجات الأمريكية، في محاولة لخفض التوترات.
في يونيو، كشفت وكالة “رويترز” عن أن بكين منحت تراخيص تصدير مؤقتة لمورّدي المعادن الأرضية النادرة، لتلبية طلبات كبرى شركات السيارات الأمريكية.
ترامب أعلن أن الاتفاق يتضمن التزام الصين بتوريد المعادن النادرة والمغناطيسات لأمريكا، مقابل تسهيلات أمريكية للصين.
واقع الخليج
الاتفاق الأمريكي–الصيني الأخير حول تسريع شحنات المعادن الأرضية النادرة يضع اللاعبين الخليجيين أمام واقع جديد، يحمل في طياته تحديات وفرصاً في آن معاً.
بالنسبة لدول الخليج، التي تربطها علاقات اقتصادية وثيقة بكل من بكين وواشنطن، فإن الاتفاق يزيد من إيجابيات الاستثمار والتعاون مع الجانبين، لا سيما مع الصينيين في مجال الاستثمار.
فدول مثل السعودية والإمارات وقطر، التي تمتلك طموحات في التحول الصناعي والتكنولوجي ضمن رؤاها التنموية، تعتمد بشكل كبير على استقرار الإمدادات العالمية من هذه المعادن النادرة.
الاتفاق بين بكين وواشنطن يبعث برسائل متباينة إلى دول الخليج؛ فهو من جهة يخفف الضغوط على سلاسل الإمداد، ومن جانب آخر يعزز خياراتها الاستراتيجية، سواء عبر الاستثمار أو الدخول في شراكات تقنية.
علاقة الصين ودول الخليج
اتفاق منطقة التجارة الحرة بين الجانبين وصل إلى مراحله النهائية.
يُعوّل على الاتفاقية بتعزيز التعاون في أنشطة متنوعة تشمل: الخدمات، والتكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، والروبوتات
نمو التبادل التجاري من 182 مليار دولار في 2014، ثم 228 مليار دولار في 2021، ثم 287 مليار دولار بنهاية 2023.
السعودية تستحوذ على نحو 40% من إجمالي التبادل التجاري الخليجي مع الصين.
العلاقات الاقتصادية بين الطرفين تعتمد بشكل كبير على تجارة النفط.
اقرأ كمان: وزير الكهرباء يؤكد أهمية التعاون مع فرنسا لاستثمار خبرات الشركات في مجال الطاقات المتجددة
تسعى بعض دول الخليج إلى تنويع العلاقات من خلال جذب استثمارات صينية.
علاقة دول الخليج والولايات المتحدة
تفيد أحدث المعلومات الموثقة بحسب المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي إلى أنه:
بلغ التبادل التجاري 94.7 مليار دولار في 2022 بزيادة 34.1% مقارنة بعام 2021.
الصادرات الخليجية إلى الولايات المتحدة: 45 مليار دولار
الواردات الخليجية من الولايات المتحدة: 49.7 مليار دولار
الفائض التجاري لصالح الولايات المتحدة: 4.7 مليارات دولار
الربع الأول من 2024:
ارتفعت الصادرات الخليجية إلى أمريكا بنسبة 20%، لتصل إلى 7.79 مليارات دولار مقارنة بـ6.22 مليارات دولار في الفترة نفسها من 2023
السعودية شكلت الحصة الكبرى: 3.29 مليارات دولار، لكنها سجلت تراجعاً بنسبة 25% عن الفترة نفسها من 2023
سجلت الولايات المتحدة فائضاً تجارياً مع الخليج بقيمة 6.04 مليارات دولار في الربع الأول من 2024، مقابل عجز بقيمة 3.44 مليارات في نفس الفترة من 2023
مخاطر انهيار الاتفاق
الخبير الاقتصادي نبيل جبار التميمي، الذي تحدث لـ”أحداث اليوم”، يرى أن دول الخليج تسعى “بشكل متنافس” إلى تعزيز علاقاتها مع القطبين الاقتصاديين الكبيرين الولايات المتحدة والصين
التميمي يذهب مع التحليلات التي ترى أن سياسات دول الخليج تتجه نحو بناء علاقات تجارية متينة مع الشرق (الصين)، مقابل علاقات أمنية واستراتيجية مع الغرب (الولايات المتحدة).
ويؤكد أن دول الخليج تسعى، من خلال سياسات متقاربة، إلى إقامة علاقات متوازنة مع القوتين دون خلق بيئة من التعارض أو أجواء من العداء.
الحرب التجارية الأخيرة بين الولايات المتحدة والصين، أربكت عديداً من الاستراتيجيات التي تنتهجها الدول، ومنها دول الخليج، والحديث للتميمي، الذي يؤكد أن “المشهد الاقتصادي الدولي أصبح أكثر ضبابية، وتزايدت الشكوك بشأن مستقبل العلاقات الدولية، وطبيعة التحولات المحتملة فيها”.
لكن من جانب آخر يجد الخبير الاقتصادي أن عودة المفاوضات بين الصين وأمريكا “أعادت قدراً من الطمأنينة، رغم أن الاتفاق التجاري بين القوتين لا يزال هشاً ومثيراً للقلق، ما لم تُحل القضايا التجارية العالقة كافة”.
ولا يخفي التميمي وجود احتمالات بـ”انهيار الاتفاق التجاري بين القوتين وعودة التوترات، بما قد يخلفه ذلك من آثار سلبية على الاقتصاد العالمي وعلى شكل العلاقات الدولية مستقبلاً”.
وعليه يقول لـ”أحداث اليوم”: “من هنا، قد تمثل الفترة المقبلة، خلال الشهرين القادمين، فرصة مهمة أمام دول الخليج لدراسة عدد من السيناريوهات المتعلقة بإعادة رسم سياساتها الاقتصادية مع الصين، والأمنية مع الولايات المتحدة”